فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجملة {لا يجدون وليًا ولا نصيرًا} حال من ضمير {خالدين} أي خالدين في حالة انتفاء الولي والنصير عنهم فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون.
{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)}.
{يوم} ظرف يجوز أن يتعلق ب {لا يجدون} [الأحزاب: 65] أي إن وجدوا أولياء ونصراء في الدنيا من يهود قريظة وخيبر في يوم الأحزاب فيوم تقلب وجوههم في النار لا يجدون وليًا يَرثي لهم ولا نصيرًا يُخلصهم، وتكون جملة {يقولون} حالًا من ضمير.
{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)}.
عطف على جملة {يقولون} [الأحزاب: 66] فهي حال.
وجيء بها في صيغة الماضي لأن هذا القول كان متقدمًا على قولهم: {يا ليتنا أطعنا الله} [الأحزاب: 66]، فذلك التمني نشأ لهم وقت أن مسّهم العذاب، وهذا التنصل والدعاء اعتذروا به حين مشاهدة العذاب وحشرهم مع رؤسائهم إلى جهنم، قال تعالى: {حتى إذا داركوا فيها جميعًا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون} [الأعراف: 38].
فدل على أن ذلك قبل أن يمسهم العذاب بل حين رُصفوا ونسقوا قبل أن يصبّ عليهم العذاب ويطلق إليهم حرّ النار.
والابتداء بالنداء ووصف الربوبية إظهار للتضرع والابتهال.
والسادة: جمع سَيِّد.
قال أبو علي: وزنه فَعَلة، أي مثل كَمَلة لكن على غير قياس لأن صيغة فَعَلَة تطَّرد في جمع فاعل لا في جمع فَيْعِل، فقلبت الواو ألفًا لانفتاحها وانفتاح ما قبلها.
وأما السادات فهو جمع الجمع بزيادة ألف وتاء بزنة جمع المؤنث السالم.
والسادة: عظماء القوم والقبائل مثل الملوك.
وقرأ الجمهور {سادتنا}.
وقرأ ابن عامر ويعقوب {ساداتِنا} بألف بعد الدال وبكسر التاس لأنه جمع بألف وتاء مزيدتين على بناء مفرده.
وهو جمع الجمع الذي هو سادة.
والكبراء: جمع كبير وهو عظيم العشيرة، وهم دون السادة فإن كبيرًا يطلق على رأس العائلة فيقول المرء لأبيه: كبيري، ولذلك قوبل قولهم: {يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا} [الأحزاب: 66] بقولهم: {أطعنا سادتنا وكبراءنا}.
وجملة {إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا} خبر مستعمل في الشكاية والتذمر، وهو تمهيد لطلب الانتصاف من سادتهم وكبرائهم.
فالمقصود الإِفضاء إلى جملة {ربنا آتهم ضعفين من العذاب}.
ومقصود من هذا الخبر ايضًا الاعتذار والتنصل من تَبِعة ضلالهم بأنهم مغرورون مخدوعون، وهذا الاعتذار مردود عليهم بما أنطقهم الله به من الحقيقة إذ قالوا: {إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا} فيتجه عليهم أن يقال لهم: لماذا أطعتموهم حتى يغروكم، وهذا شأن الدهماء أن يسوِّدوا عليهم من يُعجبون بأضغاث أحلامه، ويُغَرُّون بمعسول كلامه، ويسيرون على وقع أقدامه، حتى إذا اجتنوا ثمار أكمامه، وذاقوا مرارة طعمه وحرارة أُوامه، عادوا عليه باللائمة وهم الأحقاء بملامه.
وحرف التوكيد لمجرد الاهتمام لا لرد إنكار، وتقديم قولهم: {إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا} اهتمام بما فيه من تعليل لمضمون قولهم: {فأضلونا السبيلا} لأن كبراءهم ما تأتَّى لهم إضلالهم إلا بتسبب طاعتهم العمياء إياهم واشتغالهم بطاعتهم عن النظر والاستدلال فيما يدعونهم إليه من فساد ووخامة مغبّة.
وبتسبب وضعهم أقوالَ سادتهم وكبرائهم موضع الترجيح على ما يدعوهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وانتصل {السبيلا} على نزع الخافض لأن أضل لا يتعدّى بالهمزة إلا أن مفعول واحد قال تعالى: {لقد أضلني عن الذكر} [الفرقان: 29].
وظاهر الكشاف أنه يتعدّى إلى مفعولين، فيكون ضل المجرد يتعدى إلى مفعول واحد.
تقول: ضللت الطريق، وضل يتعدى بالهمزة إلى مفعولين. وقاله ابن عطية.
والقول في ألف {السبيلا} كالقول في ألف {الرسولا} [الأحزاب: 66].
وإعادة النداء في قولهم: {ربنا آتهم ضعفين من العذاب} تأكيد للضراعة والابتهال وتمهيد لقبول سؤلهم حتى إذا قبل سؤلهم طمعوا في التخلص من العذاب الذي ألقوهُ على كاهل كبرائهم.
والضِعف بكسر الضاد: العدد المماثل للمعدود، فالأربعة ضعف الاثنين.
ولما كان العذاب معنى من المعاني لا ذاتًا كان معنى تكرير العدد فيه مجازًا في القوة والشدة.
وتثنية {ضعفين} مستعملة في مطلق التكرير كناية عن شدة العذاب كقوله تعالى: {ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو حسير} [الملك: 4] فإن البصر لا يخسَأ في نظرتين، ولذلك كان قوله هنا: {آتهم ضعفين من العذاب} مساويًا لقوله: {فآتهم عذابًا ضعفًا من النار} في سورة الأعراف.
وهذا تعريض بإلقاء تبعة الضلال عليهم، وأن العذاب الذي أعدّ لهم يسلط على أولئك الذين أضلّوهم.
ووُصف اللعن بالكثرة كما وصف العذاب بالضعفين إشارة إلى أن الكبراء استحقوا عذابًا لكفرهم وعذابًا لتسببهم في كفر أتباعهم.
فالمراد بالكثير الشديد القوي، فعبر عنه بالكثير لمشاكلة معنى التثنية في قوله: {ضعفين} المراد به الكثرة.
وقد ذكر في الأعراف جوابهم من قِبل الجلالة بقوله: {قال لكل ضعف} [الأعراف:
38] يعني أن الكبراء استحقوا مضاعفة العذاب لضلالهم وإضلالهم وأن أتباعهم أيضًا استحقوا مضاعفة العذاب لضلالهم ولتوسيد سادتهم وطاعتهم العمياء إياهم. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ الناس عَنِ الساعة قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله}.
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يقول للناس الذين يسألونه عن الساعة {إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله} ومعلوم أن إنما صيغة حصر.
فمعنى الآية: أن الساعة لا يعلمها إلا الله وحده.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، جاء واضحًا في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى: {إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة وَيُنَزِّلُ الغيث} [لقمان: 34] الآية.
وقد بين صلى الله عليه وسلم أن الخمس المذكورة في قوله: {إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة} الآية. هي المراد بقوله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 59] وكقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 187]. وقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إلى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ} [النازعات: 4244] وقوله تعالى: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعة} [فصلت: 47] الآية. وفي الحديث: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل».
قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيبًا}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الساعة التي هي القيامة لعلها تكون قريبًا، وذكر نحوه في قوله في الشورى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ} [الشورى: 17]، وقد أوضح جل وعلا اقترابها في آيات أخر كقوله: {اقتربت الساعة} [القمر: 1] الآية. وقوله: {اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1]. وقوله تعالى: {أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النحل: 1] الآية. اهـ.

.قال الشعراوي:

{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ}.
سُئِل رسول الله كثيرًا عن الساعة، والسؤال ظاهرة صحية إذا كان في الأمر التكليفي؛ لأن السؤال عن التكاليف الشرعية دليل على أن السائل آمن برسول الله، وأحبَّ التكليف، فأراد أنْ يبني حركة حياته على أسس إسلامية من البداية.
فعلى فرض أن الإسلام جاء على أشياء كانت مُتوارثة من الجاهلية فأقرَّها الإسلام، فيأتي مَنْ يسأل عن رأي الإسلام فيها حِرْصًا منه على سلامة دينه وحركة حياته.
لكن أراد الحق سبحانه أنْ يُهوِّن المسائل على الناس، فقال سبحانه: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوني ما تركتكم، فإنما أُهلك مَنْ كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم».
إذن: السؤال المطلوب هو السؤال عن الأمور التكليفية التي تهم المسلم، حتى وإنْ كانت من أمور الجاهلية، وقد أقرَّ الإسلام كثيرًا منها، فالدية مثلًا في الإسلام جاءت من جذور كانت موجودة عند الجاهليين وأقرَّها الإسلام، وقد أمر الله تعالى المسلم بأنْ يسأل عن مثل هذه المسائل في قوله تعالى: {فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
أما السؤال عن الساعة، فالساعة أمر غيبي لا يعلمه إلا الله، فهو سؤال لا جدوى منه، لذلك لما سُئِل رسول الله: متى الساعة؟ قال للسائل: «وماذا أعددتَ لها» فأخذه إلى ما ينبغي له أنْ يسأل عنه ويهتمّ به.
وهذه الآية الكريمة {يَسْأَلُكَ الناس عَنِ الساعة} [الأحزاب: 63] جاءت بعد معركة الإيذاء لله تعالى، والإيذاء لرسوله وللمؤمنين به، هذا الإيذاء جاء ممَّنْ لا يُؤمنون بالسماء، ولا يؤمنون بالله، ولا يؤمنون بالبلاغ عن الله بواسطة رسوله.
وإيذاء هؤلاء لله تعالى هو في الحقيقة إيذاء لأنفسهم؛ لأنه لا يصل إلى الله تعالى، والله يريد لهم الخير؛ لأنهم عباده وصَنْعته، فحين يخرجون على منهجه فإنما يؤذون أنفسهم، أما إيذاؤهم لرسول الله فقد آذوه صلى الله عليه وسلم في أهله وفي نفسه، فقد تعرَّضوا له صلى الله عليه وسلم بما يتأبَّى عنه أيّ إنسان كريم، آذوْه بالقول وبالفعل، ومع ذلك صبر صلى الله عليه وسلم، وصبر أصحابه، وقد أوذوا في أنفسهم وفي أموالهم.
والمتأمل يجد أن هذا الإيذاء مقصود وله فلسفة، فقد أراده الله تعالى ليُمحِّص المؤمنين، وليرى- وهو أعلم سبحانه- مَنْ يثبت على الإيمان؛ لذلك قال تعالى: {أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2].
وسبق أن أوضحنا أن الإيمان ليس كلمةً تُقال، إنما الإيمان مسئولية وعمل، ولهذا السبب امتنع كفار مكة عن النطق بكلمة الإيمان؛ لأنهم يعلمون حقيقتها، وهم أهل بيان وفَهْم للأساليب وللمعاني.
وثبات سيدنا رسول الله وصبره هو والذين آمنوا معه دليل على أنهم أجرَوْا مقارنة بين هذا الإيذاء في الدنيا من بشر له قدرة محدودة، وإيذاء الله سبحانه في الآخرة، وهذا إيذاء يناسب قدرته تعالى، ولا يمكن أنْ يفرّ منه أحدٌ.
إذن: نقول: إن للإيذاء فلسفةً مقصودة، وإلا فقد كان من الممكن أن يأخذ الله أعداء دينه أَخْذ عزيز مقتدر، كما أخذ قوم نوح بالطوفان، وقوم فرعون بالغرق، وكما خسف بقارون الأرض، لكن أراد سبحانه أن يعذب هؤلاء بأيدي المؤمنين وبأيدي رسول الله، وربما لو نزلت بهم أخذه عامة لقالوا: آية كونية كالزلازل والبراكين مثلًا؛ لذلك قال تعالى مخاطبًا المؤمنين: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 14].
ثم يُصبِّر الحق سبحانه نبيه ويُسلِّيه: {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [غافر: 77].
إذن: ردُّ الحق سبحانه على هذا الإيذاء جاء على نوعين: نوع في الدنيا بأنْ ينصرَ اللهُ نبيَّه عليهم، كما بشَّره الله بقوله: {سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} [القمر: 45].
والآخر رَدٌّ أخروي يوم القيامة؛ لذلك قال تعالى: {يَسْأَلُكَ الناس عَنِ الساعة} [الأحزاب: 63].
والسؤال الذي سُئِلَه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متوجهًا إلى أمرين: الأول: إعجازي لأنهم كانوا يعملون من كتبهم وأنبيائهم بعض الأمور، فيريدون أنْ يُحرِجوا بها رسول الله حين يسألونه عنها، فلم يجدوا جوابًا، وهم يعرفون أن رسول الله أُمِيٌّ لا يقرأ ولا يكتب، ولم يجلس أبدًا إلى مُعلِّم، لكن الحق سبحانه كان يُسِعف رسوله ويُعلمه الجواب، فيجيب عليهم الجواب الصحيح، فيموتون غيظًا، ويتمحكون في أيِّ مسألة ليثبتوا لأنفسهم أن محمدًا لا يعلمها.
من ذلك مثلًا سؤالهم عن أهل الكهف: كم لبثوا؟ فأجابهم الله تعالى: {وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وازدادوا تِسْعًا} [الكهف: 25] فقالوا: نحن نعلم أنها ثلاثمائة، فمن أين هذه الزيادة؟ وجهلوا أن تقويت المناسك الإلهية في الدين إنما يقوم على التقويم الهلالي لا على حركة الشمس؛ لأن مُقْتضى ما تعطيه لنا الشمس أن نعلم بها بداية اليوم ونهايته، لكن لا نعرف بها أول الشهر ولا آخره.
أما التوقيت العربي الهلالي، فله علامة مميزة هي ظهور الهلال أول الشهر، وإذا ما قارنْتَ بين التقويم الهلالي والتقويم الميلادي تجد أن كل سنة هجرية تنقص أحد عشر يومًا عن السنة الشمسية، فالثلاثمائة سنة الميلادية تساوي في السنة الهجرية ثلاثمائة وتسعة.
فكأنهم أرادوا تجهيل محمد، فنبَّههم الله إلى أنهم هم الجهلة. وعجيب أن يعترض اليهود على هذا التوقيت، مع أنه التوقيت العبادي لسيدنا موسى عليه السلام، ألم يقل سبحانه: {وَوَاعَدْنَا موسى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ} [الأعراف: 142].
إذن: فقوله تعالى: {وازدادوا تِسْعًا} [الكهف: 25] فيه إعجاز أدائي بليغ، يدل على أنَّ التسْع سنين إنما جاءتْ زيادةً من داخل الثلاثمائة، وليستْ خارجة عنها.
ثم سألوه صلى الله عليه وسلم عن رجل جوَّال، فأنزل الله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين} [الكهف: 83].
فكان ينبغي أن يلفتهم ذلك إلى صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يسألوا أنفسهم: من أين له هذا العلم، وهو الأميُّ الذي لم يجلس مرة إلى مُعلِّم؟
لذلك قلنا: إن الأُمية عَيْبٌ في كل إنسان، إلا أنها كانت شرفًا وميزة في رسول الله بالذات؛ لأنها تعني في حقِّ رسول الله أنه لم يُعلِّمه بشر كما اتهموه، إنما علمه ربه.
كذلك كانت الأمة الت نزل فيها القرآن أمة أمية، وهذا أيضًا شرف في حقها، فلو أن هذه الأمة كانت أمةَ علم وثقافة لقالوا عن الإسلام: إنه قفزة حضارية، لكنها كانت أمة أمية يسودها النظام القبلي، فلكل قبيلة قانونها ونظامها، ولكل قبيلة رئيسها، ومع ذلك خرج منهم مَنْ جاء بنظام عام يصلح لسياسة الدنيا كلها، إلى أنْ تقوم الساعة، وهذا لا يتأتَّى إلا بمنهج إلهي.